الأحد، 29 يناير 2012

إقتباسات بحجم كارثة...رسالة إلى الدكتور عبدالله الحراصي



إلى الأستاذ عبدالله الحراصي               تحية طيبة
        أحييك على طرحك الرائع، الذي تدعو فيه إلى الحوار بين المختلفين على كافة الصعد والمجالات، وعدم "دفن رؤوسنا في رمال التجاهل والإنكار"، منطلقاً من إشكال رئيسي تعاني منه الثقافة العمانية المعاصرة هو غياب المنابر الحوارية، ضارباً مثالاً  على المختلفين فكرياً بما يشهده الفكر الديني العماني المعاصر من إختلاف شديد التأزم بين تيارين جديد وتقليدي كما تصفهما، وتقترح إنشاء "مجلس للحوار" بعد أن تذكر بعض فوائد الحوار بين المختلفين.
     أستاذي الفاضل أوافقك على جل ما طرحت من حيث وجود تيارات فكرية وثقافية متنوعة، ودعوتك للحوار بين المختلفين لما فيه مصلحة للمجتمع من جانب الواقع والفكر.
      لكن أختلف معك في بعض ما طرحت، فأنت ترى أن الإشكال الرئيس الذي يعاني منه المجتمع هو "غياب المنابر التي يمكن من خلالها لهذه العناصر الفكرية والثقافية أن تتناقش مع بعضها البعض"، لا أرى هذا إشكالاً كبيراً فوسائل الحوار كثيرة ومتنوعة من كتب ومنتديات انترنت وصحف لقاءات وغيرها، هناك إشكالات عدة- لا مجال لذكرها هنا- والإشكال الرئيسي كما أظن هو غياب عقل الفرد الحر الذي يؤمن بنفسه وبقدراته على الوصول إلى الحقيقة، ويؤمن بحق الآخر بالإختلاف، وكل إختلاف يمارسه صاحب فكر حر يعتبر خارجاً عن معتقدات العقل الجمعي القائمة والمترسخة بالتقليد، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى ليس سبب التنافر والتأزم بين الطرفين هو غياب وسائل الحوار المباشر بل غياب العقلية التي تؤمن بالحوار مع الآخر، وقبل ذلك الإيمان بحق الآخرين بالإختلاف مع ما نعتقد.
      وهنا أسجل إستغرابي الشديد-وأنت تدعو لحوار بين المختلفين- من نقلك لعبارتين:"بجحم كارثة" من كلام سماحة المفتي يصف فيها الطرف الآخر-الذي يبدو لي مستضعفاً- بالغي والضلال والإستخفاف والشذوذ والخروج عن الإسلام، ويصف فكرهم"بالفكر القذر"!!!، ويرى أنه هو الإسلام الصحيح كما يريده الله عزوجل للناس، وأي فكر مخالف له ولما يعتقد -عن طريق التقليد-، حتى ولو كان في إطار الإختلاف المشروع في فهم نصوص القرآن الكريم المتشابه وغير المحكم، وحتى ولو كان ليس جديداً على مستوى تاريخ الفكر الإسلامي الذي كان أكثر خصوبة وتنوعاً من هذا العصر البائس، فأغلب طروحاتهم تدور في فلك ومقالات المعتزلة وغيرهم ممن ظهروا في تاريخنا الفكري الإسلامي ، وكانوا علامة على رقيه وتطوره وحداثته أكثر مما نحن عليه اليوم.
       بالله عليك ياأستاذ عبدالله -وهذه نظرة طرف لآخر-، أي بيئة صحية وإنسانية وشفافة يمكن فيها قيام حوار مثمر بين الطرفين في حال توفر الوسائل لذلك؟؟!!
       ومن ناحية أخرى كأني بك تناقض نفسك، فأنت الذي تحث على رفض"أن ندفن رؤوسنا في رمال التجاهل والإنكار"، تقوم بدفن فكرك في رمال الوصاية وقداسة فكر البشر، بعدم توجيهك أي كلمة أو حتى حرفاً تعليقاً على ما أقتبسته من كلام سماحته، ألا يستحق هذا النقل بتلك الألفاظ-التي لاتصلح لبيئة حوارية، وهذا أقل ما يقال عنها- التعليق، أم أنك من الذين يعرفون الحقَّ بالرجال ولا يعرفون الرجالَ بالحق، أم تلك الإقتباسات في درجة القرآن المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟؟!!
      أستاذي العزيز ....
      إقتباساتك تنسف طرحك من أساسه!
      كيف تقوم في مجتمعنا بيئة إنسانية حوارية فيها نقاش بين المختلفين وطرف يريد أن يمارس كهنوتاً ووصاية على أفكار الآخرين وكأنه يعيش في عصر يشابه العصر القروسطي الأوربي، وديننا الإسلامي الحنيف الذي لا كهنوت فيه ولا وصاية لأحد على أحد "لست عليهم بمسيطر"، وهديناه النجدين"، " لكم دينكم ولي دين"، وهو يدعي تمثيله لا بل إمتلاكه والحديث لوحده باسمه ؟!
   كيف يقوم حوار بين طرفين أو عدة أطراف، وأحدها يرى أنه على الحق المطلق، وغيره على الباطل المطلق؟!
    كيف يقوم حوار بين طرفين أو عدة أطراف، ومصطلحات "التقذير، والتحقير، والتضليل، والتكفير "هي السائدة في خطاب أحد الطرفين لوصف فكر الطرف الآخر؟!
     كيف يقوم حوار وطرف-يسمح لنفسه- أن يقيم محكمة تفتيش يحاكم أفكار الآخرين وأشخاصهم، ويطلب منهم التوبة والرجوع للدين الإسلامي!!، لمجرد الإختلاف البسيط؟! 
هل هذا الوضع  يمكن أن يسمح بمجرد التفكير والتعبير عن الرأي
حتى يسمح بالحوار والنقاش الشفاف و المثمر والمفيد للمجتمع وللفكر والأفراد؟!

  وفي الختام أكرر شكري على طرحك الرائع في توجهه، مع الإعتذار عن الإطالة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق